عبد الرحمن الكواكبي
كتاب (طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد) الذي ألفه الشيخ عبد الرحمن الكواكبي (1849-1902) وتناول فيه أسباب الإستبداد السياسي وأعراضه. عرّف الكواكبي الإستبداد بأنه "صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب و لا عقاب محققين ". ويميز بين الإستبداد الغربي والشرقي فيقول "الإستبداد الغربي يكون أحكم وأرسخ وأشد وطأة ولكن مع اللين. والشرقي يكون مقلقاً سريع الزوال ولكنه يكون مزعجاً. كما أن الإستبداد الغربي إذا زال تبدل بحكومة عادلة تقيم ما ساعدت الظروف أن تقيم. أما الشرقي فيزول ويخلفه استبداد شر منه". فالكواكبي معجب إلى حد ما بالنموذج السياسي الغربي لأنه ليس خشناً مثل الاستبداد الشرقي، ولأنه يقيم حكومة عادلة . وطالب الكواكبي بإزالة الإستبداد الشرقي انطلاقاً من العقيدة الإسلامية نفسها، ومن الواقع السياسي الذي كان يعيشه في ظل الدولة العثمانية ،ومن استنتاجاته التي يرى فيها أن الأمم المتقدمة لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا بعد التخلص من الإستبداد. فهو يرفضه على صعيدي العقل والدين معاً.
وتكون الحكومة مستبدة حين تصبح مطلقة العنان, تتصرف في شئون الرعية كما تشاء, بغير مراعاة لأحد, أو خشية من أحد. وأشد مراتب هذا الاستبداد حكومة الفرد المطلق الذي يحكم بالوراثة بلا أصل من حق, وبقوة البطش, والسلطة الدينية. وأعدي أعداء هذا الحاكم المستبد العلم والعلماء, لأنهم يرتفعون عليه علما وفكرا.
والمسئولية الفعلية في نظر الكواكبي مسئولية مشتركة بين الحاكم المنتخب والرعية التي لا تعرف التفاوت فيما بينها في التملك والثروة, وتتمتع بالتساوي بالوعي والعلم والمعارف والصنائع والآداب المدنية
أما تقديس الحكام, واعتبار كل رقابة شعبية للسلطة أو كل معارضة لها ضربا من الخروج علي نظام الحكم يبرر الاجهاز عليه, فهو في تقديره المفضي إلي الاستبداد, علي نحو ما يفضي إليه جهل الهيئة الاجتماعية وتفرقها وعدم التعاون فيما بينها, وغلبة نزعات النفس علي العقل, وسيطرة المنفعة الخاصة, وافتقاد الترابط بين الناس, وغياب القيم الأخلاقية, والحس المشترك. ومقاومة الاستبداد لا يكون بالعنف ولكن بالحكمة واللين والتدريج, وبمعرفة الغاية والطريق الموصلة اليها, حتي إذا نجحت هذه المقاومة بفضل قوة الاستنارة العقلية, أي بنور العلم والمعرفة والمطبوعات والأبحاث العلمية, يجري عندئذ تدبير شئون الدولة علي أساس العدل بالشوري الدستورية, وليس بمقتضي الهوي.
ومن هنا عد الكواكبي إصلاحيا لا ثوريا. غير أنه أقرب الاصلاحيين إلي الثورة التي لا تتحقق إلا بالنضال, وذلك بتنبيه العقول, وتشديد العزائم.
وعبدالرحمن الكواكبي ضد التقليد وضد الإجماع, لأنهما ليسا حكما علي أحد, ولا هداية حقة في نظره غير هداية النفس لذاتها وتحكم العقل وحده, لا هداية الغير. وهو يفرق تفرقة قاطعة بين السياسة والدين, قائلا بوضوح تام: أن الأمم الحية لا تأخذ في الترقي إلا بعزل شئون الدين عن شئون الحياة. ويؤمن بأن إدارة شئون الأمة وأحوالها تكون بالقوانين الطبيعية. أما الأديان فتحكم الآخرة.
وأشد مراتب الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق, الوارث للعرش, القائد للجيش, الحائز علي سلطة دينية. ولنا أن نقول كلما قل وصف من هذه الأوصاف خف الاستبداد إلي أن ينتهي بالحاكم المنتخب المؤقت المسؤول فعلا, وكذلك يخف الاستبداد طبعا كلما قل عدد نفوس الرعية وقل الارتباط بالأملاك الثابتة وقل التفاوت في الثروة وكلما ترقي الشعب في المعارف.
ومن الأمور المقررة طبيعة وتاريخيا أنه ما من حكومة عادلة تأمن المسؤولية والمؤاخذة بسبب غفلة الأمة أو التمكن من إغفالها إلا وتسارع إلي التلبس بصفة الإستبداد, وبعد أن تتمكن فيه لا تتركه وفي خدمتها إحدي الوسيلتين العظيمتين جهالة الأمة, والجنود المنظمة. وهما أكبر مصائب الأمم وأهم معاتب الإنسانية, وقد تخلصت الأمم المتمدنة نوعا من الجهالة, ولكن بليت بشدة الجندية الجبرية العمومية, تلك الشدة التي جعلتها أشقي حياة من الأمم الجاهلة وألصق عارا بالإنسانية من أقبح أشكال الاستبداد, حتي ربما يصح أن يقال إن مخترع هذه الجندية إذا كان هو الشيطان فقد انتقم من آدم في أولاده أعظم ما يمكنه أن ينتقم! نعم إذا ما دامت هذه الجندية التي مضي عليها نحو قرنين إلي قرن آخر أيضا تنهك تجلد الأمم وتجعلها تسقط دفعة واحدة. ومن يدري كم يتعجب رجال الاستقبال من ترقي العلوم في هذا العصر ترقيا مقرونا باشتداد هذه المصيبة التي لا تترك محلا لاستغراب إطاعة المصريين للفراعنة في بناء الأهرامات سخرة, لأن تلك لا تتجاوز التعب وضياع الأوقات, وأما الجندية فتفسد أخلاق الأمة حيث تعلمها الشراسة والطاعة العمياء والاتكال, وتميت النشاط وفكرة الاستقلال, وتكلف الأمة الإنفاق الذي لا يطاق وكل ذلك منصرف لتأييد الاستبداد المشؤوم: استبداد الحكومات القائد لتلك القوة من جهة, واستبداد الأمم بعضها علي بعض من جهة أخري.ولنرجع لأصل البحث فأقول: لا يعهد في تاريخ الحكومات المدنية استمرار حكومة مسؤولة مدة أكثر من نصف قرن إلي غاية قرن ونصف, وما شذ من ذلك سوي الحكومة الحاضرة في إنجلترا, والسبب يقظة الإنجليز الذين لا يسكرهم انتصار, ولا يحملهم انكسار, فلا يغفلون لحظة عن مراقبة ملوكهم, حتي إن الوزارة هي التي تنتخب للملك خدمه وحشمه فضلا عن الزوجة والصهر, وملوك الإنجليز الذين فقدوا منذ قرون كل شيء ما عدا التاج, لو تسني الآن لأحدهم الاستبداد لغنمه حالا ولكن هيهات أن يظفر بغرة من قومه يستلم فيها زمام الجيش.
ويعد الشيخ عبد الرحمن الكواكبي من اول المفكرين الذين دعوا الي الافكار الليبرالية والدولة المدنية
4 Comments:
السلام عليكم
فعلا الموضوع جميل جدا وهذا ما دفعنى الى التعليق ........ونريد المزيييييييد من الموضوعات الجامدة
انا كنت عاوزة اعرف هو ايه التفكير الليبرالى؟؟
/*KIND GIRL*/
لو تحبي يا كايند جرل تعرفي اكتر علي الفكر الليبرالي ممكن تبعتيلي ايميلك وانا ابقي ابعتلك كتب عن الفكر الليبرالي
where can i send it??
/*kind girl*/
ابعتيلي رسالة علي ايميلي
ZOROOO33@YAHOO.COM
Post a Comment
Subscribe to Post Comments [Atom]
<< Home